فصل: مقتل عثمان رضي الله عنه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  مقتل عمر رضي الله عنه

وفي هذه السنة طعن أبو لؤلؤة واسمه فيروز عبد المغيرة بن شعبة عمرَ بن الخطاب وهو في الصلاة بخنجر في خاصرته وتحت سرته وذلك لست بقين من ذي الحجة من السنة المذكورة وتوفي يوم السبت سلخ ذي الحجة ودفن يوم الأحد هلال المحرم سنة أربع وعشرين وكانت مدة خلافته عشر سنين وستة أشهر وثمانية أيام ودفن عند النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنهما وعهد بالخلافة إِلى النفر الذين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض وهم علي وعثمان وطلحة والزبير وسعد رضي الله عنهم بعد أن عرضها على عبد الرحمن بن عوف فأبى‏.‏

وكان عمر رضي الله عنه طويل القامة أبيض أصلع أشيب وكان عمره خمساً وخمسين سنة وقيل ستين وقيل ثلاثاً وستين وكان له من الفضل والزهد والعدل والشفقة على المسلمين القدر الوافر فمن ذلك أنه جاء إِلى عبد الرحمن بن عوف وهو يصلي في بيته ليلاً فقال عبد الرحمن‏:‏ ما جاء بك يا أمير المؤمنين في هذه الساعة فقال‏:‏ إِن رفقة نزلوا في ناحية السوق خشيت عليهم سراق المدينة فانطلق لنحرسهم فأتيا السوق وقعدا على نشز من الأرض يتحدثان ويحرسانهم‏.‏

وعمر أول من سمي بأمير المؤمنين وأول من كتب التاريخ وأرّخ من السنة التي هاجر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول من عس بالليل وأول من نهى عن بيع أمهات الأولاد وأول من جمع الناس في صلاة الجنازة على أربع تكبيرات وكانوا قبل ذلك يكبرون أربعاً وخمساً وستاً وأول من جمع الناس على إمام يصلي بهم التراويح في رمضان وكتب بذلك إلى سائر البلدان وأمرهم به وأول من حمل الدرة وضرب بها ودون الدواوين‏.‏

وخطب مرة الناس وعليه إِزار فيه اثنتا عشرة رقعة وكان مرة في بعض حجته فلما مر بضحيان قال لا إِله إِلا الله المعطي ما شاء من شاء كنت أرعى إبل الخطاب في هذا الوادي في مدرعة صوف وكان فظاً يرعبني إِذا عملت ويضربني إذا قصرت وقد أصبحت وليس بيني وبين الله أحد‏.‏

وفضائله رضي الله عنه أكثر من أن تحصى‏.‏

ثم دخلت سنة أربع وعشرين

فيها عَقِبَ موت عمر اجتمع أهل الشورى وهم علي وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم وكان قد شرط عمر أن يكون ابنه عبد الله شريكاً في الرأي ولا يكون له حظ في الخلافة وطال الأمر بينهم وكان قد جعل لهم عمر مدة ثلاثة أيام وقال لا يمضي اليوم الرابع إِلا ولكم أمير وإن اختلفتم فكونوا مع الذي معه عبد الرحمن‏.‏

فمضى علي إِلى العباس رضي الله عنهما وقال له‏:‏ عدل عنا لأن سعداً لا يخالف عبد الرحمن لأنه ابن عمه وعبد الرحمن صهر عثمان فلا يختلفون فيوليها أحدهم الآخر‏.‏

فقال العباس‏:‏ لم أدفعك عن شيء إِلا رجعت إِلى مستأخر أشرت عليك قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسأله فيمن يجعل هذا الأمر فأبيت وأشرت عليك بعد وفاته أن تعاجل هذا الأمر فأبيت وأشرت عليك حين سماك عمر في الشورى أن لا تدخل فيهم فأبيت وهذا الرهط لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر حتى يقوم له غيرنا وأيم الله لا يناله إِلا بشر لا ينفع معه خير‏.‏

ثم جمع عبد الرحمن الناس بعد أن أخرج نفسه عن الخلافة فدعا علياً فقال‏:‏ عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده فقال‏:‏ أرجو أن أفعل وأعمل مبلغ علمي وطاقتي ودعا بعثمان وقال له مثل ما قال لعلي فرفع عبد الرحمن رأسه إِلى سقف المسجد ويده في يد عثمان وقال‏:‏ اسمع وأشهد اللهم إِني جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان وبايعه فقال علي ليس هذا أول يوم تظاهرتم علينا فيه فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون والله ما وليت عثمان إِلا ليرد الأمر إِليك والله كل يوم هو في شأن‏.‏

فقال عبد الرحمن‏:‏ يا علي لا تجعل على نفسك حجةً وسبيلاً فخرج علي وهو يقول‏:‏ سيبلغ الكتاب أجله‏.‏

فقال المقداد بن الأسود لعبد الرحمن‏:‏ والله لقد تركته يعني علياً وإنه من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون‏.‏

فقال‏:‏ يا مقداد لقد اجتهدت للمسلمين فقال المقداد‏:‏ إني لأعجب من قريش إِنهم تركوا رجلاً ما أقول ولا أعلم أن رجلا أقضى بالحق ولا أعلم منه فقال عبد الرحمن‏:‏ يا مقداد اتق الله فإني أخاف عليك الفتنة ثم لما أحدث عثمان رضي الله ما أحدث من توليته الأمصار للأحداث من أقاربه روي أنه قيل لعبد الرحمن بن عوف‏:‏ هذا كله فعلك‏.‏

فقال‏:‏ لم أظن هذا به لكن لله علي أن لا أكلمه أبداً ومات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان رضي الله عنهما ودخل عليه عثمان عائداً في مرضه فتحول إِلى الحائط ولم يكلمه‏.‏

  خلافة عثمان رضي الله عنه

وبويع عثمان رضي الله عنه لثلاث مضين من المحرم من هذه السنة أعني سنة أربع وعشرين وهو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة‏.‏

ولما بويع رقي المنبر وقام خطيباً فحمد الله وتشهد ثم أرتج عليه فقال‏:‏ إِن أول كل أمر صعب وإن أعش فسآتيكم الخطب على وجهها ثم نزل وأقر عثمان ولاة عمر سنة لأنه كان أوصى بذلك ثم عزل المغير بن شعبة عن الكوفة وولاها سعد بن أبي وقاص ثم عزله وولى الكوفة الوليد بن عقبة بن أبي معيط وكان أخا عثمان من أمه‏.‏

ثم دخلت سنة خمس وعشرين

فيها توفي أبو ذر الغفاري واسمه جندب بن جنادة وكان بالشام ينكر على معاوية جمع المال ويتلو ‏(‏والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله‏)‏ ‏(‏التوبة‏:‏ 34‏)‏ الآية فكتب معاوية إِلى عثمان يشكوه فكتب إِليه عثمان أن أقدم المدينة فقدم إِلى المدينة واجتمع الناس عليه فصار يذكر ذلك ويكثر الشناعة على من كنز الذهب والفضة فنفاه عثمان إِلى الربدة وقيل كانت وفاته بالربدة سنة إِحدى وثلاثين‏.‏

ثم دخلت سنة ست وعشرين فيها عزل عثمان عمرو بن العاص عن مصر وولاها عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري وكان أخا عثمان من الرضاعة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أهدر دم عبد الله بن سعد المذكور يوم الفتح وشفع فيه عثمان حتى أطلقه رسول اللَه صلى الله عليه وسلم‏.‏

وفي أيام عثمان فتحت إِفريقية وكان المتولي لذلك عبد الله بن سعد بن أبي سرح المذكور وبعث بالخمس إِلى عثمان فاشتراه مروان بن الحكم بخمس مائة ألف دينار فوضعها عنه عثمان وهذا من الأمور التي أنكرت عليه ولما فتحت إِفريقية أمر عثمان عبد الله نافع بن الحصين أن يسير إِلى جهة الأندلس فغزى تلك الجهة وعاد عبد الله بن نافع إِلى إِفريقية فأقام بها من جهة عثمان ورجع عبد الله ابن سعد إِلى مصر‏.‏

ثم دخلت سنة سبع وعشرين وسنة ثمان وعشرين فيها استأذن معاوية عثمان في غزو البحر فأذن له فسير معاوية إِلى قبرس جيشاً وسار إِليها أيضاً عبد الله ابن سعد من مصر فاجتمعوا عليها وقاتلوا أهلها ثم صولحوا على جزية سبعة آلاف دينار في كل سنة وكان هذا الصلح بعد قتل وسبي كثير من أهل قبرس‏.‏

ثم دخلت سنة تسع وعشرين

فيها عزل عثمان أبا موسى الأشعري عن البصرة وولاها ابن خاله عبد الله بن عامر بن كريز ثم عزل الوليد بن عقبة من الكوفة بسبب أنه شرب الخمر وصلى بالمسلمين الفجر أربع ركعات وهو سكران ثم التفت إِلى الناس وقال‏:‏ هل أزيدكم فقال ابن مسعود‏:‏ مازلنا معك في زيادة منذ اليوم وفي ذلك يقول الحطيئة‏:‏ شهدا الحطيئة يوم يلقى ربه أن الوليد أحق بالعذر نادى وقد فرغت صلاتهم أأزيدكم سكراً وما يدري فأبوا أبا وهب ولو أذنوا لقرنت بين الشفع والوتر

ثم دخلت سنة ثلاثين

فيها بلغ عثمان ما وقع في أمر القرآن من أهل العراق فإنهم يقولون‏:‏ قرآننا أصح من قرآن أهل الشام لأننا قرأنا على أبي موسى الأشعري وأهل الشام‏:‏ يقولون قرآننا أصح لأنّا قرأنا على المقداد بن الأسود وكذلك غيرهم من الأمصار فأجمع رأيه ورأي الصحابة على أن يحمل الناس على المصحف الذي كتب في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وكان مودعاً عند حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وتحرق ما سواه من المصاحف التي بأيدي الناس ففعل ذلك ونسخ من ذلك المصحف مصاحف وحمل كلاً منها إِلى مصر من الأمصار وكان الذي تولى نسخ المصاحف العثمانية بأمر عثمان زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي‏.‏

وفي هذه السنة سقط من يد عثمان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم وكان من فضة فيه ثلاثة أسطر محمد رسول الله كان النبي يتختم به ويختم به الكتب التي كان يرسلها إِلى الملوك‏.‏

ثم ختم به بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان إِلى أن سقط في بئر أريس

ثم دخلت سنة إِحدى وثلاثين‏.‏

مهلك يزدجرد بن شهريار بن برويز

وهو آخر ملوك الفرس في هذه السنة هلك يزد جرد وقد اختلف في ذلك فقيل إنه نزل بمرو فثار عليه أهلها وقتلوه وقيل بغته الترك وقتلوا أصحابه فهرب يزد جرد إلى بيت رجل ينقر الأرحا فقتله ذلك الرجل واتبع الفرس أثر يزد جرد إِلى بيت النقار وعذبوا النقار فأقر بقتله فقتلوه‏.‏

وفيها عصت خراسان واجتمع أهلها في خلق عظيم وسار إِليهم المسلمون وذلك في أيام عثمان ففتحوها فتحاً ثانياً‏.‏

وفي هذه السنة مات أبو سفيان بن حرب بن أمية أبو معاوية‏.‏

ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين فيها توفي عبد الله بن مسعود ابن غافل بن حبيب بن شمخ من ولد مدركة بن إِلياس بن مضر وفي مدركة يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جاء في بعض الروايات أن عبد الله بن مسعود المذكور أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة والذي روى أنه من العشرة أسقط أبا عبيدة بن الجراح وجعل عبد الله المذكور بدله وكان جليل القدر عظيماً في الصحابة وهو أحد القراء رحمه الله تعالى ورضي عنه‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين فيها تكلم جماعة من الكوفة في حق عثمان بأنه ولى جماعة من أهل بيته لا يصلحون للولاية فكتب سعيد بن العاص والي الكوفة من قبل عثمان إِليه بذلك فأمره عثمان بأن يسير الذين تكلموا بذلك إِلى معاوية بالشام فأرسلهم وفيهم الحارث بن مالك المعروف بالأشتر النخعي وثابت ابن قيس النخعي وجميل بن زياد وزيد بن صوحان العبدي وأخوه صعصعة وجندب بن زهير وعروة بن الجعد وعمرو بن الحمق فقدموا على معاوية وجرى بينهم كلام كثير وحذرهم الفتنة فوثبوا وأخذوا بلحية معاوية ورأسه فكتب بذلك إِلى عثمان فكتب إِليه عثمان أن يردهم إِلى سعيد بن العاص فردهم إِلى سعيد فأطلقوا ألسنتهم في عثمان واجتمع أهل الكوفة‏.‏

ثم دخلت سنة أربع وثلاثين فيها قدم سعيد إِلى عثمان وأخبره بما فعله أهل الكوفة وأنهم يختارون أبا موسى الأشعري فولى عثمان أبا موسى الكوفة فخطبهم أبو موسى وأمرهم بطاعة عثمان فأجابوا إِلى ذلك وتكاتب نفر من الصحابة بعضهم إِلى بعض أن أقدموا فالجهاد عندنا ونال الناس من عثمان وليس أحد من الصحابة ينهي عن ذلك ولا يذب إِلا نفر منهم زيد بن ثابت وأبو أسيد الساعدي وكعب بن مالك وحسان بن ثابت ومما نقم الناس عليه رده الحكم بن العاص طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريد أبي بكر وعمر أيضاً وإعطاء مروان بن الحكم خمس غنائم إِفريقية وهو خمس مائة ألف دينار وفي ذلك يقول عبد الرحمن الكندي‏:‏ سأحلف بالله جهد اليمين ما ترك الله أمراً سدا ولكن خلقت لنا فتنة لكي نبتلى بك أو تبتلى فإِن الأمينين قد بنيا منار الطريق عليه الهدى فما أَخذا درهمًا غيلة وما جعلا درهماً في الهوى دعوت اللعين فأدنيته خلافاً لسنة من قد مضى وأعطيت مروان خمس العباد ظلماً لهم وحميت الحمى وأقطع مروان بن الحكم فدك وهي صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي طلبتها فاطمة ميراثاً فروى أبو بكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة‏)‏ ولم تزل فدك في يد مروان وبنيه إِلى أن تولى عمر بن عبد العزيز فانتزعها من أهله وردها صدقة‏.‏

وفي هذه السنة توفي المقداد بن الأسود وهو المقداد بن عمرو بن ثعلبة ونسب إِلى الأسود بن عبد يغوث لأنه كان قد حالف الأسود المذكور في الجاهلية فتبناهُ فعرف بالمقداد بن الأسود فلما نزل قوله تعالى ‏(‏أدعوهم لآبائهم‏)‏ ‏(‏الأحزاب‏:‏ 5‏)‏ الآية قيل له المقداد بن عمرو ولم يكن في يوم بدر من المسلمين صاحب فرس غير المقداد في قول وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها وكان عمره نحو سبعين سنة‏.‏

  مقتل عثمان رضي الله عنه

ثم دخلت سنة خمس وثلاثين

فيها قدم من مصر جمع قيل ألف وقيل سبع مائة وقيل خمس مائة وكذلك قدم من الكوفة جمع وكذلك من البصرة وكان هوى المصريين مع علي وهوى الكوفيين مع الزبير وهوى البصريين مع طلحة فدخلوا المدينة ولما جاءت الجمعة التي تلي دخولهم المدينة خرج عثمان فصلى بالناس ثم قام على المنبر وقال للجموع المذكورة‏:‏ يا هؤلاء الله يعلم وأهل المدينة يعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال‏:‏ أنا أشهد بذلك فثار القوم بأجمعهم فحصبوا الناس حتى أخرجوهم جماعة من أهل المدينة عن عثمان منهم سعد بن أبي وقاص والحسن بن علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبو هريرة رضي الله عنهم فأرسل إِليهم عثمان يعزم عليهم بالانْصراف فانصرفوا وصلى عثمان بالناس بعد ما نزلت الجموع المذكورة في الّمسجد ثلاثين يوماً ثم منعوه الصلاة فصلى بالناس أميرهم الغافقي أمير جمع مصر ولزم أهل المدينة بيوتهم وعثمان محصور في داره ودام ذلك أربعين يوماً وقيل خمسين ثم إِن علياً اتفق مع عثمان على ما تطلبه الناس منه من عزل مروان عن كتابته وعبد الله بن أبي سرح عن مصر فأجاب عثمان إِلى ذلك وفرق علي الناس عنه ثم اجتمع عثمان بمروان فرده عن ذلك ثم اضطره الحال حتى عزل ابن أبي سرح عن مصر وولاها محمد بن أبي بكر الصديق وتوجه مع محمد بن أبي بكر عدة من المهاجرين والأنصار فبينما هم في أثناء الطريق وإذا بعبد على هجين يجهده فقالوا له‏:‏ إِلى أين قال‏:‏ إِلى العامل بمصر‏.‏

فقالوا‏:‏ هذا عامل مصر يعنون محمد بن أبي بكر فقال‏:‏ بل العامل الآخر يعني ابن أبي سرح فأمسكوه وفتشوه فوجدوا معه كتاباً مختوماً بختم عثمان يقول‏:‏ إِذا جاءك محمد بن أبي بكر ومن معه بأنك معزول فلا تقبل واحتل بقتلهم وأبطل كتابهم وقر في عملك‏.‏

فرجع محمد بن أبي بكر ومن معه من المهاجرين والأنصار إِلى المدينة وجمعوا الصحابة وأوقفوهم على الكتاب وسألوا عثمان عن ذلك فاعترف بالختم وخط كاتبه وحلف بالله أنه لم يأمر بذلك فطلبوا منه مروان ليسلمه إِليهم بسبب ذلك فامتنع‏.‏

فازداد حنق الناس على عثمان وجدوا في قتاله فأقام علي ابنه الحسن يذب عنه وأقام الزبير ابنه عبد الله وطلحة ابنه محمد يذبون عنه بحيث خرج الحسن وانصبغ بالدم وآخر الحال أنهم تسوروا على عثمان من دار لزق داره ونزل عليه جماعة فيهم محمد بن أبي بكر فقتلوه‏.‏

وكان عثمان رضي الله عنه حين قتل صائماً يتلو في المصحف وكان مقتله لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين‏.‏

وكانت مدة خلافته اثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر يوماً‏.‏

واختلف في عمره فقيل خمس وسبعون وقيل اثنتان وثمانون وقيل تسعون وقيل غير ذلك ومكث ثلاثة أيام لم يدفن لأن المحاربين له منعوا من ذلك ثم أمر علي بدفنه وكان عثمان معتدل القامة حسن الوجه بوجهه أثر جدري عظيم اللحية أسمر اللون أصلع يصفر لحيته وتزوج ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبسبب ذلك قيل له ذو النورين وكان كاتبه مروان بن الحكم بن العاص ابن عمه وقاضيه زيد بن ثابت‏.‏

وأما فضائله‏:‏ فإِنه الذي جهز جيش العسرة بجملة من المال وكان قد أصاب الناس مجاعة في غزوة تبوك فاشترى عثمان طعاماً يصلح العسكر وجهز به عيراً‏.‏

فلما وصل ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يده إِلى السماء وقال‏:‏ ‏(‏اللهم إِني قد رضيت عن عثمان فارضَ عنه‏)‏ وروى الشعبي أن عثمان دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه عليه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كيف لا أستحي ممن تستحي منه الملائكة‏)‏ وانفتح بقتل عثمان باب الشر والفتن‏.‏

  أخبار علي بن أبي طالب رضي الله عنه

واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم علي فاطمة بنت أسد بن هاشم فهو هاشمي ابن هاشميين بويع بالخلافة يوم قتل عثمان وقد اختلف في كيفية بيعته فقيل‏:‏ اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم طلحة والزبير فأتوا علياً وسألوه البيعة له فقال‏:‏ لا حاجة لي في أمركم من اخترتم رضيت به فقالوا‏:‏ ما نختار غيرك وترددوا إليه مراراً‏.‏

وقالوا‏:‏ إنا لا نعلم أحداً أحق بالأمر منك ولا أقدمٍ منك سابقة ولا أقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ أكون وزيراً خير من أنْ أكون أميراً‏.‏

فأتوا عليه فأتى المسجد فبايعوه‏.‏

وقيل‏:‏ بايعوه في بيته وأول من بايعه طلحة بن عبد الله وكانت يد طلحة مشلولة من نوبة أحد فقال حبيب بن ذؤيب‏:‏ إِنا لله أول من بدأ بالبيعة يد شلاء لا يتم هذا الأمر وبايعه الزبير وقال علي لهما‏:‏ إنْ أحببتما أنْ تبايعا لي بايعا وإن أحببتما بايعتكما فقالا‏:‏ بل نبايعك وقيل إِنهما قالا بعد ذلك‏:‏ إنما بايعنا خشية على نفوسنا ثم هربا إِلى مكة بعد مبايعة علي بأربعة أشهر وجاءوا بسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم فقال له علي‏:‏ بايع فقال‏:‏ لا حتى يبايع الناس والله ما عليك مني بأس فقال خلوا سبيله‏.‏

وكذلك تأخر عن البيعة عبد الله بن عمر وبايعته الأنصار إِلا نفراً قليلاً منهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك ومسلمة بن مخلد وأبو سعيد الخدري والنعمان ابن بشير ومحمد بن مسلمة وفضالة بن عبيد وكعب بن عجرة وزيد بن ثابت وكان هؤلاء قد ولاهم عثمان على الصدقات وغيرها وكذلك لم يبايع علياً سعيد بن زيد وعبد الله بن سلام صهيب بن سنان وأسامة بن زيد قدامة بن مطعون والمغيرة بن شعبة سموا هؤلاء المعتزلة لاعتزالهم بيعة علي‏.‏

وسار النعمان بن بشير إِلى الشام ومعه ثوب عثمان الملطخ بالدم فكان معاوية يعلق قميص عثمان على المنبر ليحرض أهل الشام على قتال علي وأصحابه وكلما رأى أهل الشام ذلك ازدادوا غيظاً‏.‏

وقد روي في بيعة علي غير ذلك فقيل‏:‏ لما قتل عثمان بقيصص المدينة خمسة أيام والغافقي أمير المصريين ومن معه يلتمسون من يجيبهم إلى القيام بالأمر فلا يجدونه ووجدوا طلحة في حائط له ووجدوا سعداً والزبير قد خرجا من المدينة ووجدوا بني أمية قد هربوا وأتى المصريون علياً فباعدهم وكذلك أتى الكوفيون الزبير والبصريون طلحة فباعداهم وكانواٍ مع اجتماعهم على قتل عثمان مختلفين فيمن يلي الخلافة حتى غشى الناس علياً فقالوا‏:‏ نبايعك فقد ترى ما نزل بالإسلام وما ابتلينا به فامتنع علي فألحوا عليه فقال‏:‏ قد أجبتكم واعلموا أني إِنْ أجبتكم ركبت بكم ما أعلم وإن تركتموني فإِنّما أنا كأحدكم‏.‏

وافترق الناس على ذلك وتشاوروا فيما بينهم وقالوا‏:‏ إن دخل طلحة والزبير فقد استَقامت البيعة فبعث البصريون إِلى الزبير حكيم بن جبلة ومعه نفر فجاءوا بالزبير كرهاً بالسيف فبايع وبعثوا إِلى طلحة الأشتر ومعه نفر فأتوا بطلحة ولم يزالوا به حتى بايع ولما أصبحوا يوم الجمعة اجتمع الناس في المسجد وصعد علي المنبر واستعفى من ذلك فلم يعفوه فبايعه أولاً طلحة وقال‏:‏ أنا أبايع مكرهاً وكانت يد طلحة شلاء فقيل هذا الأمر لا يتم كما ذكرنا وبايعه أهل المدينة من المهاجرين والأنصار خلا من لم يبايع ممن ذكرنا‏.‏

وكان ذلك يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة من سنة خمس وثلاثين‏.‏

ثم فارقه طلحة والزبير ولحقا بمكة واتفقا مع عائشة رضي الله عنهم وكانت قد مضت إِلى الحج وعثمان محصور وكانت عائشة تنكر على عثمان مع من ينكر عليه وكانت تخرج قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم وشعره وتقول‏:‏ هذا قميصه وشعره لم يبل وقد بلي دينه لكنها لم تظن أن الأمر ينتهي إِلى ما انتهى إِليه‏.‏

وكان ابن عباس بمكة لما قتل عثمان ثم قدم المدينة بعد البيعة لعلي فوجد علياً مسخلياً بالمغيرة بن شعبة قال‏:‏ فسألته عما قال له فقال علي‏:‏ أشار علي بإقرار معاوية وغيره من عمال عثمان إِلى أنْ يبايعوا ويستقر الأمر فأبيت ثم أتاني الآن وقال‏:‏ الرأي ما رأيته‏.‏

فقال ابن عباس‏:‏ نصحك في المرة الأولى وغشك في الثانية وإني أخشى أن ينتقض عليك الشام مع أني لا آمن طلحة والزبير أنْ يخرجا عليك وأنا أشير عليك أن تقر معاوية فإِن بايع لك فعلي أن اقتلعه لك من منزله متى شئت‏.‏

فقال علي والله لا أعطيه إِلا السيف ثم تمثل‏:‏ وما ميتةٌ أن مِتُّها غير َعاجز بعار إذا ما غالتِ النفسُ غولُها فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين أنت رجل شجاع ولست صاحب رأي‏.‏

فقال علي‏:‏ إِذا عصيتك فأطعني‏.‏

فقال ابن عباس‏:‏ أفعل إِن أيسر مالك عندي الطاعة وخرج المغيرة ولحق بمكة‏.‏

ثم دخلت سنة ست وثلاثين

فيها أرسل علي إِلى البلاد عماله فبعث إِلى الكوفة عمارة بن شهاب وكان من المهاجرين ووالى عثمان بن حنيف الأنصاري البصرة وعبد الله بن عباس اليمن وكان من المشهورين بالجود وولى قيس ابن سعد بن عبادة الأنصاري مصر وسهل بن حنيف الأنصاري الشام فلما وصل تبوك لقيته خيل فقالوا من أنت‏:‏ قال أمير على الشام‏.‏

فقالوا إِن كان بعثك غير عثمان فارجع‏.‏

قال‏:‏ أو ما سمعتم بالذي كان قالوا‏:‏ إلى‏.‏

فرجع إِلى علي ومضى قيس بن سعد إِلى مصر فوليها واعتزلت عنه فرقة كانوا عثمانية وأبوا أن يدخلوا في طاعة علي إِلا أن يقتل قاتل عثمان ومضى عثمان بن حنيف إِلى البصرة فدخلها واتبعته فرقة وخالفته فرقة ومضى عمارة إِلى الكوفة فلقيه طلحة بن خويلد الأسدي الذي كان ادعى النبوة في خلافة أبي بكر فقال له‏:‏ إِن هل الكوفة لا يستبدلون بأميرهم فرجع إِلى علي وكان على الكوفة من قبل عثمان أبو موسى الأشعري ومضى عبد الله إِلى اليمن وكان العامل بها من جهة عثمان يعلى بن منبه فوليها عبد الله وخرج يعلى وأخذ ما كان حاصلاً من المال ولحق بمكة وصار مع عائشة وطلحة والزبير وسلم إِليهم المال‏.‏

مسير عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة ولما بلغ عائشة قتل عثمان أعظمت ذلك ودعت إِلى الطلب بدمه وساعدها على ذلك طلحة والزبير وعبد الله بن عمر وجماعة من بني أمية وجمعوا جمعاً عظيماً واتفق رأيها على المضي إِلى البصرة للاستيلاء عليها وقالوا معاوية بالشام قد كفانا أمرها وكان عبد الله بن عمر قد قدم من المدينة فدعوه إِلى المسير معهم فامتنع وساروا وأعطى يعلى بن منبه عائشة الجمل المسمى بعسكر اشتراه بمائة دينار وقيل بثمانين ديناراً فركبته وضربوا في طريقهم مكاناً يقال له الحوأب فنبحتهم كلابه فقالت عائشة‏:‏ أي ماء هو هذا فقيل‏:‏ هذا ماء الحوأب فصرخت عائشة بأعلى صوتها وقالت‏:‏ إِنّا لله وإنا إِليه راجعون سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وعنده نساؤه‏:‏ ‏(‏ليت شعري أيتّكن ينبحها كلاب الحوأب‏)‏ ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته وقالت‏:‏ ردوني أنا والله صاحبة ماء الحوأب فأناخوا يوماً وليله وقال لها عبد الله بن الزبير إِنه كذب يعني ليس هذا ماء الحوأب ولم يزل بها وهي تمتنع فقال لها‏:‏ النجاء النجاء فقد أدرككم علي بن أبي طالب فارتحلوا نحو البصرة فاستولوا عليها بعد قتال مع عثمان بن حنيف فقتل من أصحاب عثمان بن حنيف أربعون رجلاً وأُمسك عثمان بن حنيف فنتفت لحيته وحواجبه وسجن ثم أطلقته‏.‏